تعود جذور فكرة المجتمع المدني إلى عصر النهضة في أوروبا , إلا أنها لم تصبح فاعلة على الأرض ألا بعد الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر التي أدت إلى تغيير بنيوي للعلاقة بين قوى الإنتاج وما ترتب على ذلك من أعادة النظر لمفهوم العلاقات الاجتماعية وتوزيع القوى والنفوذ بشكل مختلف, كما دخلت مؤسسات المجتمع المدني في سبات طويل خلال معظم فترة القرن العشرين عند صعود الفاشية والنازية والصهيونية والحروب الكونية العظمى لتعود للظهور وبقوة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي واستفراد قوى السوق بصناعة القرار, تعود كقوى مناهضة للعولمة والاحتكار ومساندة للبيئة ولحقوق الانسان وهي القوى الأكثر شهرة لمؤسسات المجتمع المدني على مستوى العالم . لن نخوض في تاريخ نشأة المجتمع المدني وتطوره فهذا مجال أكاديمي.
بالرغم من انه لا يوجد أجماع حول تعريف محدد لمعنى المجتمع المدني, مع ذلك يمكننا المجازفة بتعريف المجتمع المدني على انه تجمع طوعي واعي وحر حول مصالح وأهداف وقيم مشتركة. تتسم مؤسسات المجتمع المدني بخصائص مشتركة من اهمها التطوع, الاستقلالية المالية , والمبادرة, كما أنها تقف على مسافة متساوية من الحكومة/الدولة من حيث أنها منظمات غير حكومية وتقف أيضا على نفس المسافة من القطاع الخاص من حيث أنها منظمات غير ربحية, أي يمكن اعتبارها طرف ثالث في المجتمع. كما يمكن تعريف مفهوم المجتمع المدني بأنه
State counter-conceptمفهوم مضاد للدولة وتجلياتها المؤسساتية والتنظيمية الرسمية..
نظريا يعني المجتمع المدني أشكال مؤسساتية تتميز عن المؤسسات التقليدية كالدولة/السلطة, الكنيسة/المسجد, العائلة/العشيرة, والسوق مع انه عمليا تظل الحدود بين مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات التقليدية للقوى تظل معقدة وغير واضحة بشكل كبير.
يعتنق المجتمع المدني إشكالا متنوعة على مستوى الأفراد والمؤسسات تختلف في درجة استقلاليتها ونفوذها ويفترض فيها إن تمارس دور المراقب والناصح بل وحتى المتمرد على الحكومة.
لم تعرف ليبيا أي شكل من أشكال المجتمع المدني الحديث على الإطلاق خلال تاريخها وبالتالي فالمعرفة التراكمية تظل غائبة وفي أحسن الأحوال غير واضحة, كما أن التجربة العملية تكاد لأتذكر لعدم وجودها خارج إطار بروباغاندا السلطة .
مع بداية الحدث 17 فبراير وغياب أي نوع من أنواع التجمعات القوية كالأحزاب أو النقابات أو الجمعيات المدنية اوالنوادي .. الخ الخ والتي يحتاجها الناس لتنظيم شؤونهم ووجود إشكال مشوهة من التجمعات التي خلقها النظام السابق كالروابط الشبابية, روابط شباب القبائل , تجمع الرفاق وابناء الرفاق ... الخ , تنادى الناس لتشكيل مجموعات متطوعة غير قتالية للمساهمة في معركة القضاء على نظام ألقذافي بإشكال أخرى .
سقط نظام ألقذافي ,وتطورت المبادرات التطوعية للتنظيمات الشبابية خلال فترة الحرب , ونشأت تنظيمات أخرى للمرأة وللطفل وللمناطق وللقبائل وللأفراد وللآسر الخ الخ الخ .
خلال هذه المرحلة الانتقالية والتي تعني الفترة بين نظامين احدهما أفل وافلت معه أدواته للسيطرة بما فيها التجمعات التي اشرنا أليها وربما كانت توصف عند الضرورة بأنها مجتمع مدني بينما هي مؤسسات تتبع السلطة وتحظى بامتيازات غير مستحقة , ونظام أخر لم يتبلور بعد,
أنشئت مئات التجمعات التي تطلق على نفسها اسم منظمات المجتمع المدني ,وتعددت أنواع وأشكال ومهام وغايات وجودها , وتداخلت مهامهما بل وتضاربت في كثير من الأحيان مما أدى إلى صراع بينها على أحقية الاسم والمكان الذي استولت عليه والذي يعود لملكية الدولة وهو ما يتعارض مع مفهوم المجتمع المدني بالأساس, لم يستطيع الناشطون ان يميزوا بين المجتمع المدني كما حاولنا تعريفه من حيث هو تجمع طوعي واعي حر,والمجتمع الأهلي الذي يقوم على رابطة الدم والقرابة والمصاهرة ,والمجتمع الديني الذي يجمعه عقائد دينية , اختلطت الأمور وعمت الفوضى المكان.
ستستمر الفوضى إلى اجل غير مسمى طالما أن السلطات المسئولة اليوم في البلد والمتمثلة في الانتقالي والانتقالية عاجزة وبشكل فاضح عن أدارة البلد آو حتى رسم معالم لمستقبل ليبيا, بل أنها غير قادرة على اتخاذ قرارات تنظيمية فيما يخص مؤسسات المجتمع المدني وقانون ينظم الأحزاب وبقية الأنشطة السياسية والإعلامية والثقافية , والاسواء أنها غير قادرة على فرض سيادتها على مؤسسات الدولة السيادية التي تحتلها الميليشيات المسلحة , لا تتوقف عملية استمرار الفوضى التي أدت إلى انقسام المجتمع وتشظيه راسيا وأفقيا حتى أصبحت الميلشيات المسلحة والمنظمات المدنية تسمى باسم شوارعها وربما قريبا سنرى ميلشيات عائلية, لا تتوقف المسئولية على الانتقالي والانتقالية فقط بل هي مسئولية المجتمع بأكمله , المثقف العضوي وليس الانتهازي, ورجل الدين الصادق وليس التائب عن الكبائر, وزعماء القبائل المحترمون وليس المتزعمون, وضباط الجيش والشرطة المحترفون وليس الهواة, و الاساتذه الفاضلون وليس الفاسقون والإعلاميون الوطنيون وليس الإجراء لدى أصحاب الفضائيات الجديدة, والثوار وليس اللصوص......
أفيقوا يرحمكم الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق