على تخوم الجمهورية ...... مواطنون ام رعايا ..؟؟ بقلم/ د. عامر التواتي
تعددت المفاهيم والتعريفات لمعنى المواطنة واستحقاقاتها وما هو الشكل الأمثل للمواطنة الحقة , ففي ابسط تعريفاتها وأكثرها شمولية تعني المواطنة العضوية الكاملة والمتساوية في المجتمع بما يترتب عليها من حقوق وواجبات ( بدون أي تمييز قائم على أي معايير تحكمية مثل الدين آو الجنس آو اللون آو المستوى الاقتصادي آو الانتماء السياسي آو الموقف الفكري ) إلا أن مفهوم المواطنة وقيمها المتمثلة في المبأدي الأساسية وهي المساواة, الحرية , المشاركة , والمسئولية الاجتماعية لم يعرف بمعزل عن مفهوم الجمهورية ,بل في الواقع لم يكن الناس مواطنون بأي حال من الأحوال وفي أي مجتمع من المجتمعات قبل تأسس الجمهورية الأولى, بالرغم من أن الأديان والفلاسفة والحكماء نادوا على مدار قرون من الزمن بحرية الإنسان وبالمواطنة , ألا انه كان على البشرية أن تنتظر حتى قيام الثورة الفرنسية وقيام الجمهورية ليصبحوا مواطنين بالمعنى الحديث للمواطنة ويدمروا نمط العلاقات الاجتماعية/السياسية الاستبدادي والمتوارث لقرون.
قبل ذلك كان الناس أقنان وخدم وعبيد وحتى خصيان لدى السلاطين والأباطرة والإقطاع ورجال الدين, كانت السلطة السائدة في أي مكان توظف كل ما يمكن من قمع مادي ومعنوي من خلال العنف والمال ورجال الدين والكتبة والشعراء لتقنع الناس بأنهم خلقوا لكي يكونوا عبيد لدى أسيادهم وعليهم أن يرضوا بهذا القدر المكتوب عليهم وعلى أبنائهم لان هذه مشيئة الله ولا يجب تغييرها هكذا كان خطاب الكنيسة , بل أن الخروج على الحاكم/ظل الله في الأرض قد يصل لحد الكفر بالرغم من أن هذا الحاكم ظالما ومستبدا وجاء للحكم خلفا لأبيه ولجده وادعائه بعراقة أرومته ونبل سلالته, لم يختاره أحدا ولم يبايعه الناس/الرعاع/الدهماء/السوقة ,فمبايعة النخبة آو رجال البلاط /رجال الدين/الأغنياء/زعماء القبائل/وقادة الجند تكفي أما عامة الناس فليس هذا شانهم .
ما حدث في ليبيا كان تحولا اجتماعيا كبيرا يشبه إلى حد كبير من حيث عفويته وغضبه الثورة الفرنسية , وبالرغم من محاولات سرقة الثورة والاستحواذ عليها ومحاولة تقسيم البلد لمدن ومناطق وقبائل ثائرة وأخرى غير ذلك, بل وصل الأمر لحد خروج احد الإعلاميين البارزين ودعوته المقيتة بان يكتب الدستور من طرف ما أسماه المدن الثائرة والآخرون هم مواطنون فقط ؟ لااعرف ماذا يعني بالمواطنين فقط في تصريحاته التي اعتقد أنها أسقطته أخلاقيا وفضحته سياسيا وطاح الغطاء يامكبكبة , لا يستطيع احد فردا اوجماعة اواقليما اومدينة اوقبيلة في ليبيا اليوم الادعاء بأنهم قادة الثورة وبالتالي من حفهم فرض شروطهم والحصول على امتيازات تتنافى مع مفهوم المساواة الذي هو احد ركائز المواطنة , بل أن الطرح السائد اليوم من قبل بعض الأطراف يخلق نوع من الاستبداد بشكل جديد , والاسواء من ذلك احتمال أن يقود البلد لحرب أهلية لايعرف احد متى ؟ وأين؟ وكيف ؟ تبدءا وتنتهي .
في تقديرنا ليس أمام الليبيين الكثير من الخيارات, فالبلد شاسع المساحة ,قليل عدد السكان, كثير الثروات, محاط بالطامعين الإقليميين والدوليين بل وحتى الطامعين من أبناء البلد الذين يعتقدون بان لهم الحق أكثر من غيرهم بالحصول على امتيازات بأسماء وخلفيات متعددة تذكرنا بالتشظي والانقسام الذي كان بسود المجتمع على أسس خاصة بالحصول على امتيازات غير مستحقة مثل الضباط الأحرار, المتحركين, مواليد الفاتح, الرفاق وأبناء الرفاق الخ..الخ..الخ من الكيانات المصنوعة في ذلك الزمن لأداء وظيفة وحيدة وهي التصفيق والتمجيد .
أن الاصطفافات التي نشاهد ولادتها ونموها وبشكل عشوائي وبأسماء مختلفة عسكرية وسياسية وغيرها, مع العمل بشكل متعمد ضد قيام شرعية استخدام العنف من قبل الدولة المتمثل في الجيش والشرطة باعتباره سيضعف الميليشيات المسلحة ويلغي امتيازاتها الواقعية والمحتملة, هذا من الناحية العسكرية . إما من الناحية السياسية فنشاهد ارتباك واضح من السلطة المؤقتة واصدرا قرارات وقوانين تتنافى أساسا مع الأهداف التي نادى بها الناس عند خروجهم على سلطة ألقذافي وعلى رأسها الحرية وتنتهك الإعلان الدستوري المؤقت الذي يحكم بموجبة المجلس الانتقالي وذلك تحت ضغوطات من إطراف في اللعبة لإقصاء كيانات اجتماعية ومناطق وجهات وأفراد بل استخدام حتى التهجير القسري أذا تطلب الأمر من اجل الاستحواذ على النفوذ وفرض سياسة الأمر الواقع , كل من يصنف في قائمة المهمشين وبغير وجه حق سواء كانوا إفرادا آو جماعات آو جهات سوف لن يرضوا بتهميشهم وإقصائهم من قبل أفراد وجماعات أخرى فالثورة ثورة الشعب دفع الجميع الثمن من اجل نجاحها بطريقة آو بأخرى ولا يحق لأحد الادعاء غير ذلك .
يحاول البعض جاهدا إقناعنا بنجاح التجربة الخليجية ورغم حالة الانبهار والدهشة التي تصيب الكثيرين لنجاح هذه التجربة واعتبارها ربما نموذجا للدولة الحديثة يجب الاحتذاء به وبتجاهل عفوي أو مقصود للجانب الأخر للصورة وهو أن كافة أنظمة الخليج من الناحية السياسية/الاجتماعية لا تعدو آن تكون أنظمة اوتوقراطية تنتمي للعصور الوسطى من حيث بنية السلطة وميكانيزمات صناعة القرار حيث يجب طاعة ولى الأمر والدعاء له حتى للذين هم بدون ؟ بل وإخضاع المجتمع بأكمله لسلطات مؤسسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومرجعياتها التي لاتؤمن بكروية الارض حتى هذه اللحظة, كما أن ما حققته بلدان الخليج يعود أيضا للطفرة المالية الكبيرة وضخ أموال النفط في مشاريع خاصة, أي أن الثراء الظاهر والمنعكس في مرايا الأبراج الفخمة التي تبهر الأبصار وتغيب الحس النقدي هو ملك للطبقة/العائلة الحاكمة ومن يدور في فلكها, ولمافيا العالم لتهريب الأموال وتبييضها وغسيلها وتجار البشر للسخرة او للجنس او للاثنين معا , والاسواء من كل ذلك هو ارتهان كل تلك القرارات للعواصم الكبرى في متى؟ وكيف ؟ تكون الضربة ولنا في الانهيارات المتكررة لأسواق المال في تلك المنظفة مثالا وعبرة . يجب ألا ينظر إلى هذا القول بأنه رفض مطلق لتلك التجربة حيث أنها لا تفتقر لبعض المكاسب البراقة والتي تأخذ الأنفاس أحيانا ولكن عندما تسترجع أنفاسك الذي أخذتها على حين غرة الدهشة القروية سرعان ما يزول ذلك البريق وتتساءل ما هو الثمن الذي دفع من اجل ذلك ؟ لن يستطيع احد إعطاءك جوابا شافيا , فقط جنود المارينز ومدلكاتهم التايلنديات على شؤاطي المنامة آو في قاعدة السيلية ومهربي أموال العالم لاستثمارها في جبل علي وتجار الأجساد الغضة والطرية من سهوب روسيا لقرى تايلاند البائسة وصولا لنساء الأطلس الكبير والصغير قد يملكون جوابا ما ؟ ومع ذلك تحاول بعض القوى في ليبيا الجديدة استنساخ نموذج خليجي يحقق لهم تطلعاتهم في الثراء غير المشروع والاستحواذ على صناعة القرار من اجل استمرار نفوذهم وهذا الأمر لن يحصل في ليبيا ؟
في تقديرنا أن بناء ليبيا الجديدة يجب أن يبنى على المفاهيم الجمهورية والمتمثلة في الحرية والعدالة والمساواة والتي هي بالأساس مفاهيم إنسانية أكدت عليها كل الديانات السماوية والأرضية ولا تتنافى مطلقا مع الإسلام الذي آمر به محمدا عليه الصلاة والسلام , وليس أسلام موزة وال سعود وغيرهم من الحكام الذين صنعوا في المملكة المتحدة in UK made, يظل السؤال هل سكان السعودية وقطر وغيرهم من المحميات الأمريكية هم مواطنون ام مجرد رعايا يتكرم عليهم سادتهم بمكارم أميرية وملكية وسلطانية بين الحين والأخر ويتعرضون للسجن إذا انتقدوا الذات الملكية وجلالتها وسموها ؟ بل إن البعض تم استلاب حتى هويتهم وأصبحوا مجرد ملحقات لسادتهم (سعوديون وسعوديات ) .
لن يرضى الليبيين آن يكونوا رعايا لدى احد بل مواطنون في وطنهم , والمواطنة بمفهومها الحديث لايمكن الإيفاء باستحقاقاتها خارج مفهوم الجمهورية وقيمها . لن تحكمنا عائلات ملكية آو أقطاعية آو فيدرالية آو ارستقراطية آو قبلية آو مناطقية مهما كان الأمر, فكما انتفض الشعب ضد الديكتاتورية الشمولية هو قادر على الانتفاض مرارا وتكرارا على كل من يحاول أن يسرق منه أمله في بناء دولة حديثة يسودها القانون والناس فيها مواطنون يحتكمون للقيم الجمهورية .