الجمعة، 11 مايو 2012


د. عامر التواتي: ليبيا الجديدة...... وسؤال الهوية؟؟23/4/2012 17:12د. عامر التواتي: ليبيا الجديدة...... وسؤال الهوية؟؟
د. عامر التواتيبحث
لا يهدف هذا المقال إلى أحياء الدعوة للقومية العربية كمشروع سياسي  في تجلياتها التي عرفناها في العقود الماضية مباشرة بعد التحرر من الاستعمار الأوروبي آو أثناء حرب التحرير في معظم البلدان العربية، آو كردة فعل هستيرية حيال انتكاسات الأمة المتكررة والتي يعاد أنتاجها اليوم  باليات جديدة، بل المغزى والهدف هو الفصل بين العروبة كهوية وانتماء وبين الدعوة القومية التقليدية كمشروع سياسي.
استطاع ألقذافي ولفترات طويلة من حكمه ومن اجل استمرار هذا الحكم بل ولإنشاء إمبراطورية غير محددة الملامح، استطاع أن يضم حوله الكثير من النخب والجماهير المؤمنة بضرورة وحدة الأمة في كيان قادر على نقلها للحداثة والخروج بها من بلاط أمراء المؤمنين وأوهام عودة الخلافة، ارتكز ألقذافي في مشروعه إلى ثلاثية (المال،  الشعارات الوحدوية الخلابة، والإيقونة المقدسة وصية عبد الناصر بان ألقذافي هو الأمين على القومية العربية)  ذات التأثير الباهر على جمع كبير من الناس مثقفين وأميين،طامعين ومؤمنين، أفاقين وصادقين، طال الأمر وكثرت التجارب ومعها الأخطاء، اختلطت المفاهيم، أساء الرجل للقضية على مستوى المفهوم وعلى مستوى الممارسة ولعقود من الزمن.
أدى سوء الاستعمال من قبل ألقذافي ولسنوات عديدة لمفهوم العروبة كهوية وخلطها بمفهوم القومية كمشروع سياسي وفقا لرؤيته (الاندماجية) المتسرعة وغير المدروسة إلى تشويهها وابتذالها وابتعاد الناس عنها بعد أن أحسوا بأنهم خدعوا واستغلوا من قبل الأخ آمين القومية العربية، أدى هذا الخداع إلى نفور الكثير من دعاة الوحدة والتحرير وكرامة الأمة وباقي القيم النبيلة والضرورية لنهضة الأمة العربية إلى الابتعاد عنها وبمسافات قياسية بينما ارتبطت هذه الرؤى والمفاهيم والمبادي الأساسية للأمة في ذاكرة الليبيين بالحقبة التي حكم فيها ألقذافي، وترسخت لدى الكثير من الناس قناعة بان مسالة العروبة هي أنتاج في معامل ألقذافي وأي حديث عن عروبة ليبيا اليوم هو أعادة أنتاج لخطاب ألقذافي.
لم يكن مفاجئا أن يدير ألقذافي ظهره للأمة بعد أن خطب كثيرا وتحدث أكثر ودخل في مغامرات هنا وهناك، عسكرية وبأساليب أخرى، أهدر الكثير من المال وساد الصخب لبرهة من الزمن تحت شعار حماية هوية الأمة والحفاظ على ترابها والسعي لتوحيدها، كل هذه الخطب والأموال والحماسة لم تنجز شي للوحدة العربية ماعدا بعض المكاسب الصغيرة كإلغاء تأشيرات الدخول لبعض الدول العربية وبعض الأناشيد الحماسية سريعة التبخر، بل أربكت الناس ووصل بعضهم لمحطة اليأس حيث ألقى مراسيه  وكفر بيعرب ومن ذا يلوم؟؟ والأدهى من ذلك أن البعض ممن هم ضد فكرة الوحدة العربية (الأنظمة العربية المرتبطة وجوديا بالقوى العظمى التي تحمي الكيان الصهيوني  وتحميهم) استغلوا الاندفاع  والهفوات وعدم النضج في مشاريع الوحدة القذافية وهاجموا فكرة العروبة والوحدة ووظفوا أموال البتر ودولار، وشيوخ الوهابية، والأجساد الغضة المروية بكروم جبل لبنان في فضائيات خادم الحرمين، في الواقع لقد استخدموا كل شي   في مشاريع مضادة ونجحوا بشكل آو بأخر. أحس الرجل بخيبة أمل كبيرة لم يراجع نفسه ويتجنب أخطاءه بل أعاد نفس الخطاب وبنفس المفردات مع تغيير بسيط  في بعض الأحرف لكلمة عربية لتصبح افريقية.
بعد سقوط نظام ألقذافي أصبحت هوية البلد على المحك، رفعت أصوات، وخفقت رايات، ورطنت لهجات تدعو لعدم عروبة ليبيا، بل أن بعض قادة الامازيغ/البربر يعيدون أنتاج خطاب ألقذافي ويدعون لخروج ليبيا من جامعة الدول العربية ولكن لأسباب أخرى. وبعض هولاء القادة يعقدون مؤتمرات امازيغية أممية  (الكونغرس الامازيغي العالمي) للبحث الاركيلوجي عن نوميديا آو عن الكاهنة  في زمن  Google Earth.
بالرغم من أن معظم سكان ليبيا أصولهم عربية/عاربة ومستعربة ولا تشكل الأعراق الأخرى المكونة للنسيج الليبي من الامازيغ/البربر، وطوارق وتبو وشركس وارناؤط وأتراك وزنوج وأحباش وربما حتى يهود  وغيرهم مجتمعين لا يشكلون سوى نسبة صغيرة من مكونات الشعب الليبي، ومع ذلك فلا باس من أن ترفع رايات الامازيغ/البربر في شوارع المدن الليبية، ولا باس أن تكون لغتهم/لهجتهم حاضرة في المؤتمرات الصحفية وفي اللوحات الخلفية للقاءات المسئولين التلفزيونية  بالرغم من أن نسبتهم لا تتجاوز 5% من سكان ليبيا على أقصى تقدير. آم أن تتحدث عن عروبة ليبيا فأنت قومجي وعنصري وإقصائي ومروج لأفكار ألقذافي ومن الأزلام والطابور الخامس ووووووووووووو.
الشعور بالغبن والظلم لأسباب موضوعية وأخرى بعيدة كل البعد عن ذلك لدى العديد من مكونات الشعب الليبي موجود ومتجذر يأخذ شكل صراعات قبلية آو عرقية بين الحين والأخر وعندما تغيب الدولة كما هو حالنا اليوم فأنها تأخذ منحى أكثر خطورة وتجد من يغذيها لمصلحته الخاصة من الطرفين ومن القوى الإقليمية والدولية مما يمزق  النسيج الاجتماعي ويهدد بنشوب حرب أهلية بداءت بوادرها في الجنوب الليبي في الكفرة ثم في سبها ثم تفجرت في غرب ليبيا،وقد تحدث مجددا في أي مكان وفي أي وقت أطراف هذه النزاعات هم عرب وغير عرب من اجل الثار والنفوذ والسيطرة والتحكم في تجارة التهريب عبر الحدود  وهو ليس بالأمر الجديد، أنما الجديد في الأمر هو غياب سلطة قادرة على فرض القانون، وانتشار السلاح وبكل أنواعه حتى أصبح هناك ما يمكن تسميته جيوش قبلية ومناطقيه  وجهويه.
حق الأقليات في ليبيا آو في غيرها  بالاعتزاز بهويتهم والمحافظة على فولكلورهم واحتفالياتهم، وممارسة طقوس موروثة خاصة بهم، والتحدث بلغتهم  يظل حق تكفله القوانين الدولية وليس محل جدل آو منة من احد، ومن حقهم أيضا أنشاء مراكز بحثية آو متاحف آو ما شاءوا، أنما أحيانا تكون المطالب للأقليات تمس سيادة البلد وتماسكها بل وأكثر من ذلك، فلوسلمنا بأدراج اللغة الامازيغية/البربرية في الدستور الليبي الجديد كأحد اللغات الرئيسة في البلد فماذا عن الطوارق والتبو وغيرهم من الأقليات الأخرى، ثم عن أي لغة امازيغية نتحدث هل هي لغة واحدة متماسكة آم لهجات متعددة حسب القبائل والمناطق.
لا يتوقف الأمر عند دسترة اللغة فقط، بل تتعالى بين الحين والآخر أصوات تدعو لقيام "الأمة الليبية"؟؟؟  في محاولة ساذجة لاختيار هوية جديدة للبلد  حسب رغباتهم  ونسوا آو هم لا يعرفون من الأصل بان الهوية ليست اختيارا بل قدرا مهما كان حسنا آو سيئا.
لا نأخذ نظرية المؤامرة على محمل الجد في كثير من الأحيان  ولا نرجع كل التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلاقات الدولية المتغيرة باستمرار على أنها مؤامرات أعد لها مسبقا، ولكن ذلك لايمنعنا من أمعان النظر فيما يدور حولنا من مشاريع لتفكيك المنطقة وإعادة ترتيبها كشرق أوسط كبير آو حتى جديد بما يخدم اللاعبين الرئيسين في العالم أصحاب المصالح الكبرى التي دخلت اللعبة منذ البداية..
بالرغم من الضجيج عالي النبرة فلا خوف على هوية ليبيا، ستظل ليبيا دولة عربية أسلامية بغض النظر عن نوع النظام السياسي القادم وخطابه ومنهجه، سواء حكمها الأخوان آو الليبراليون، التقليديون المحافظون، آو الحداثيون التقدميون، دعاة الماضي الفيدرالي العائلي ام دعاة المستقبل المدني الديمقراطي  لان الأمر وببساطة ليس اختيارا. ولان العروبة كانتماء وهوية ليس نتاج أفكار ألقذافي آو غيره.
د. عامر التواتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق